أخر الأخبار

الكوليرا تضرب الخرطوم بصمت: وباء الفقراء يزحف دون إنذار

الكوليرا
الكوليرا

في أمسيات الخرطوم التي لم تعد تنام على ضوء القمر، وإنما على صرير المولدات وبكاء الأطفال في ردهات المستشفيات، تمد الكوليرا أذرعها النحيلة إلى منازل الفقراء، إلى أزقة الأحياء، وإلى أطراف المدينة التي لم تعد مدينة، بل خرابة تنادي الرحمة.

كأن الموت خرج من صمته الطويل، لا بهيئة جندي ولا بطيف رصاصة، بل بقطرة ماء ملوثة، تسري في جسد طفل لم يتجاوز عمره ربيعين، أو امرأة أنهكها التعب من جلب الماء من بئر جافة، أو من محطة مياه باتت تفيض بالمرض بدلًا من العافية. يموتون بصمت، ليس لأن الموت هادئ، بل لأن الصراخ في الخرطوم لم يعد له من يسمع.

وباء صامت يزحف في الخرطوم

منذ مطلع شهر مايو، أكثر من 2500 حالة اشتباه بالكوليرا تكدّست في دفاتر وزارة الصحة، وفي الحقيقة فإن الأرقام – كما عهدناها – أقل من الواقع دوماً. في يوم واحد فقط، خُطّ في سجل القدر 500 إصابة، وكأن الموت يعقد معنا صفقة جديدة في زمن فقدان الدولة والدواء.

إنه وباء الفقراء، لا يصيب الأغنياء الذين يسكنون خلف جدران العمارات المسوّرة، ولا أولئك الذين يشربون من عبوات مستوردة، بل يفتك بمن يشربون من آبار مكشوفة أو محطات ملوثة فقدت رقابتها، وبمن يأكلون من الأسواق تحت ظل الذباب، في شوارع لا تعرف النظافة ولا تصلها الحكومة المحلية.

صمت الدولة… وصوت الموت

لكن، لن نسأل: “من المسؤول؟”، فالسؤال سقط من لائحة الأسئلة في بلد يتهالك على كل الأصعدة. يكفي أن تعلم أن مستشفىً واحداً في أم درمان – مستشفى النو – استقبل أكثر من 500 حالة، وفي يوم واحد فقط سجّلت وزارة الصحة 51 حالة وفاة، والموتى يُدفنون بجهد المتطوعين، لا الدولة… وهل بقيت دولة؟ الكهرباء غائبة، والمياه غائبة، والضمير أيضاً غائب.

إننا نكتب اليوم لا لنسرد أرقاماً باهتة في خبر عابر، بل لندق ناقوس الخطر – أو ما تبقى من ناقوس. إن على وزارة الصحة أن تتعامل مع الكوليرا كما يُتعامل مع الحرب، لأن الوباء يقتل كما تقتل الرصاصة، بل أشد، لأنه يتسرب دون صوت، ويسرق الحياة دون إنذار.

دعوة للتحرك المحلي والدولي

على المنظمات الدولية أن تُضاعف دعمها، لا نريد مؤتمرات صحفية، بل نريد ماءً نقياً، نريد صهاريج تطوف الأحياء الموبوءة، نريد حملات تطعيم تُطرق الأبواب، نريد مراكز صحية لا تنام، نريد من يعقم الأسواق ويمنع بيع الطعام المكشوف في طرقات يحرسها الذباب.

ونخاطب السلطات: عودوا إلى مسؤولياتكم، ولو بالحد الأدنى. اعملوا على إعادة التيار الكهربائي لمستشفيات تموت فيها الأرواح لأن جهاز تنفس توقف، أعيدوا تشغيل محطات المياه ولو على التناوب. لا نطلب معجزات، بل واجباً.

إن الخرطوم اليوم تشرب من الكأس المسموم، وإن لم تتكاتف الجهود من كل الجهات – محلية ودولية ومجتمعية – فسيمتد هذا السم إلى ولايات أخرى، إلى مدن أخرى، إلى أجساد أخرى تنتظر قدراً أقل قسوة. ولقد سقط شهداء الكوليرا، ولم تُرفع لافتة حداد، فلنرفعها نحن، ولنكتب على جدران الوعي: “هنا مات إنسان لأنه شرب ماءً ملوثاً في بلد النيلين.”

رحمة عبدالمنعم
رحمة عبدالمنعم

رحمة عبد المنعم
نكتب، والدمع على الحبر: أنقذوا الخرطوم من وباء الكوليرا، قبل أن تفيض الجثث على ضفاف الأزقة… كما فاضت من قبل الأحلام.

أخبار السودان اليوم،
مشاكل السودان اليوم مباشر،
الحدث اليوم في السودان مباشر الان عاجل،
أخبار السودان اليوم عاجل،
اخبار السودان اليوم الجمعة،
نبض السودان،
اخبار السودان هذا الصباح

تابعنا على السوشيال ميديا
تابعنا على السوشيال ميديا لكل جديد
زر الذهاب إلى الأعلى