مأساة الفاشر.. على حافة الهاوية بين الانتصارات المتبادلة والخذلان الرسمي
تقرير استقصائي

أكتوبر 2025) – تتشابك خيوط المشهد في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في لوحة تراجيدية عنوانها “تضارب الروايات وتصاعد الأزمة الإنسانية”. المدينة، التي تمثل آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، تجد نفسها في قلب معركة مفصلية، وسط بيانات النصر المتقابلة بين الأطراف المتحاربة، وصيحات استغاثة مدنييها العالقين.
الدعم السريع يعلن “التحرير”.. والجيش والمقاومة يصرّون على “الصمود”
في تطور دراماتيكي، أصدرت قوات الدعم السريع، عبر “بيان رقم 2″، إعلاناً بـ “بسّط سيطرتها على مدينة الفاشر”، واصفة ما حدث بأنه “انتصار مفصلي في معركة تحرير الوطن” وكسر “لشوكة العدو”. البيان، الذي يحمل لهجة أيديولوجية واضحة، أكد أن الفاشر كانت “مركزاً ومنطلقاً لعمليات العدو ضد المواطنين العُزّل”، معلناً استمرار “مسيرة التحرير”. وتأتي هذه التصريحات بعد تقارير إعلامية عن انسحاب الجيش من مقر الفرقة السادسة.
في المقابل، ترفض القوات المسلحة السودانية والقوات المساندة لها الاعتراف بالسقوط الكامل، مؤكدة استمرار القتال وصمود القوات المتبقية. يؤكد الناشط غاندي إبراهيم في رصده الميداني أن “قوات الجيش والمشتركة والمقاومة الشعبية مازالوا متمسكين بالمواقع التي انسحبوا إليها منذ الأمس، ويواصلون الصمود واستنزاف المليشيا”. وينفي حلفاء الجيش، كحركة مناوي، سقوط المدينة بالكامل، مشددين على أن وجود الدعم السريع في أجزاء لا يعني حسم المعركة. كما أعلنت حكومة إقليم دارفور أن “القتال في الفاشر لا يزال مستمراً”.
أصوات الخذلان وصيحات المدنيين
بعيداً عن السرد العسكري، يرتفع صوت الشارع السوداني المعذّب بالخذلان. الصحفي معمر موسى يوجّه نقداً لاذعاً لما أسماه “حالة الانفصام الوجداني بين الحكومة المتحصنة في جبال البحر الأحمر وبين الشعب البيمون بألاف في الفاشر وكردفان”. ويحذر موسى من سيناريو كارثي، متسائلاً عن غياب “خطة وتدابير طوارئ أو تفاهمات من نوع ما تسهم في حماية وسحب الناس الفي المدينة في حال سقوطها”، معرباً عن خشيته من أن يكون “الممسكين بالقرار خايفين على راسمالهم السياسي اكثر من خوفهم من الله وحرصهم على أرواح الناس”.
هذه المخاوف تتجسد في التقارير الإنسانية التي تتحدث عن وضع كارثي. فالجوع “عدو آخر يتربص بالصامدين” بحسب غاندي إبراهيم، في حين تتحدث مصادر عن لجوء السكان لأكل علف الحيوانات. وتتفاقم المأساة مع اتهامات من حكومة إقليم دارفور لقوات الدعم السريع “بارتكاب مجازر ضد النازحين من الفاشر”، وسط مطالبات أممية ودولية بفتح ممرات آمنة فوراً للسماح بوصول المدنيين إلى مناطق أكثر أمناً.
إن الفاشر ليست مجرد مدينة، بل هي رمز ونقطة تحول استراتيجية. سيطرة أي طرف عليها تعني حسم معركة دارفور بأكملها، مما يمنح الطرف المنتصر نفوذاً كبيراً على امتدادات الإقليم الغنية والمترابطة مع دول الجوار. وبين ضباب المعارك، وإعلانات النصر المتبادلة، والخذلان المدوّي من القيادة، يظل المدنيون في الفاشر هم الضحية الأبرز، ينتظرون خطة لإنقاذ أرواحهم التي باتت على كف عفريت.



