البرهان ينتقد مسعد بولوس والرباعية الدولية بنبرة حادة.. ماذا سيحدث بعد الآن؟

في مشهد سياسي وصفه مراقبون بعبارة “كشح العشا”، أحدث الخطاب الأخير لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان زلزالاً دبلوماسياً نسف الترتيبات الدولية الجارية، حيث وجه البرهان ما يشبه “رصاصة الرحمة” على جهود اللجنة الرباعية، كاشفاً عن كواليس المباحثات السرية التي أظهرت، بحسب القراءات المقربة من الجيش، أن التحركات الأمريكية الأخيرة بقيادة مسعد بولص لم تكن سوى واجهة لأجندة إماراتية تهدف لتفكيك الدولة السودانية عبر غطاء سياسي يتماشى مع رؤية قوات الدعم السريع، وهو ما دفع قيادة الجيش لرفض مقترحات اعتبرتها “أسوأ ورقة للسلام” تضمنت بنوداً لحل المؤسسة العسكرية وتفكيك الأجهزة الأمنية، معلنة بذلك انحيازها الكامل لخيار الحسم العسكري والتمترس خلف التحالف مع المملكة العربية السعودية كشريك استراتيجي يدرك مخاطر تقسيم السودان وتهديد أمن البحر الأحمر.
وعلى الرغم من النبرة الحاسمة في الخطاب، إلا أنه فتح باباً واسعاً للتأويلات والجدل الداخلي، لا سيما فيما يتعلق بملف “الإسلاميين” داخل المؤسسة العسكرية؛ فبينما دافع البرهان عن الجيش واصفاً تهمة سيطرة الإخوان عليه بأنها “فزاعة إماراتية”، يرى منتقدون أن حديثه المبطن عن “الإصلاح والهيكلة” قد يحمل في طياته إشارات لتضحيات قادمة ببعض الضباط لتهدئة المخاوف الإقليمية والدولية، معتبرين أن تكرار شعارات استمرار الحرب حتى تحرير الوطن قد لا يعدو كونه “سردية قديمة” أو مناورة لكسب الوقت في ظل واقع ميداني معقد يرى البعض أن قوات الدعم السريع لا تزال تحقق فيه تقدماً عسكرياً وسياسياً، مما يجعل الحديث عن مناطق متفق عليها للمليشيا أمراً يثير الريبة حول مدى إدراك القيادة لحقيقة الموقف على الأرض.
وتتجلى عقدة الأزمة الراهنة في لعبة “شد الحبل” بين الشروط المتضاربة، ففي حين يطرح الجانب الأمريكي وقفاً لإطلاق النار دون شروط مسبقة، يتمسك البرهان بإقصاء الإمارات نهائياً عن طاولة الوساطة، مما يضع السودان أمام مرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة وتصعيد إعلامي مرتقب، وسط تساؤلات مشروعة من الشارع السوداني حول سبب تغييب الحقائق طوال الفترة الماضية بشأن العروض التي قدمت لحل الجيش، وما إذا كانت الرهانات الحالية على التحالفات الجديدة والإصلاحات الموعودة مطلع العام القادم كافية لإنقاذ البلاد، أم أن “كشح العشا” سيقود إلى سيناريوهات أكثر قتامة في ظل غياب أفق سياسي واضح.



